الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الإنافة فيما جاء في الصدقة والضيافة **
وقال آخرون: لا يجوز حتى يتحقق أنه حلال ويحمل أخذ من أخذ على أنهم علموا أنه من الحلال أو على أنهم أخذوه وصرفوه في مصارفه من بيت المال. وقد قال جماعة أخذنا له وصرفنا إياه في المحتاجين خير من تركه في يد السلاطين. والشافعي رضي الله تعالى عنه لما أخذ من هارون الرشيد فرقه في الحال ولم يأخذ منه حبة أو على أن الغالب كان الحلال بخلاف ما في يد السلطان اليوم فإن غالبه حرامن وكلا القولين إسراف. والأعدل أنه إن كان الأكثر حراما حرم الأخذ وإن كان الأكثر حلالا ففيه توقف. انتهى. ونقله القمولي في جواهره واعترض قوله وإن كان الأكثر حراما خرج الآخذ بأنه مبني على ما تقدم من أنه يحرم معاملة من أكثر ماله حرام والمذهب خلافه كما في المجموع فإنه قال: ومذهبنا أنه إذا كان الأكثر حراما كره الأخذ منه بالابتياع وغيرهس. قال القمولي: فانفرد الغزالي بالتحريم وهو شاذ. انتهى. واعترض بعضهم قول الغزالي: إن كان الأكثر حلالا ففيه توقف بأنه لا وجه له ويرد بأن له وجها لأن كون الأكثر حلالا لا ينافي احتمال الوقوع في الحرام وإن كان أبعد مما إذا استويا أو كان الحرام أكثر فوجه التوقف هذا الاحتمال اللائق بالوقوع مراعاته وأنه لا مجزم بالحل فاتجه أن لا توقفه وهما وإن كان المعتمد الحل ولو فيما إذا كان الأكثر حراما. وفي الجواهر عن الغزالي أيضا: لو بعث السلطان إلى إنسان مالا ليفرقه على المساكين فإن عرف أنه مغصوب من إنسان بعينه لم يجز له الأخذ إلا ليوصله إلى صاحبه وإن لم يعرفه جاز أخذه وتفرقته لكن يكره إن قارنته مفسدة بحيث يغتر به جهال ويعتقدون طيب أموال السلاطين وما ذكره هنا يجري في أخذه لنفسه أيضا كما هو ظاهر. وحكى القمولي وغيره عن الغزالي أربعة مذاهب فيما لو لم يدفع السلطان إلى كل المستحقين حقوقهم من بيت المال وإنما دفع لبعضهم فقط فهل له أن يستأثر بما دفع إليه وإن أعدل تلك المذاهب أن له أخذ جميع المدفوع إليه وإن أكثر حيث كان قدر حقه أو أقل عنهز وقيد العز بن عبد السلام كراهة معاملة من اشتملت يده على حلال وحرام بما إذا كان ما بيده من جنس الحرام الذي يكتسبه قال: فإن كان من غير جنسه فلا باس المعاملة وإن تردد في أنه اشتراه به وقياسه أنه لا كراهة هنا في الأخذ من مال بيت المال الذي أكثره حرام إلا إذا كان ما فيه من جنس ذلك الحرام وإلا فلا كراهة وإن احتمل أن ناظره استبدله به. وقال الغزالي:
لأنه: إما ورع الشهادة وهو الامتناع مما يسقطها وإما ورع المتدين وهو ترك ما يتطرق إليه احتمال التحريم الذي له موقع وإن أفتى المفتي بحله عملا بالظاهر ولا أثر للاحتمال البعيد كمن ترك الاصطياد لاحتمال أن الذي يصطاده قد اصطاده غيره وانفلت منه - فهذا وسواس لا ورع وأما ورع المتقين وهو ترك ما يخاف انجراره إلى الحرام وإن كان حلالا لا شبهة فيه. وأما ورع الصديقين وهو ترك ما ليس فيه شيء مما سبق ولكن تناوله من غير نية التقوى على العبادة ويتطوع إلى أسبابه كراهة فإذا اختلط ببلد حرام غير منحصر بحلال كذلك كان ترك الشراء والأكل من ذلك ورعا محبوبا. وكلما كثر الحرام تأكد الورع والامتناع من كل حلال لكون فاسق أو كافر حمله وسواس لا ورع. قال: ولو اشترى طعاما في الذمة وقضى ثمنه من حرام ينظر فإن كان البائع سلمه له قبل أن يقبضه الثمن بطيب قلب حل له أكله إجماعا وليس تركه ورعا مؤكدا وإن قضى ثمنه من حرام لكنه باق في ذمته حتى يبرئه منه مع علمه بأن قبضه حرام لأنه يبرأ بخلاف ما لوظن حل ما قبضه فإنه لا يبرأ بإبرائه لأنه لا يقصد حقيقة إبرائه ومتى أخذ ذلك الطعام قبل أن يقبض البائع الثمن حرم عليه أكله لأن للبائع حق الحبس إن كان الثمن حالا ولو وفى الثمن من حرام ثم قبض المبيع ثم يحل له أكله إلا إن علم البائع أن ما قبضه حرام ثم أقبضه إياه لأن إقباضه له إسقاط لحقه من الحبس ويبرأ بإبرائه إن علم أن ما قبضه حرام ثم أبرأه منه وإلا لم يبرأ كما مر. قال: وله شراء دار من دور بلد علم أن فيها دارا مغصوبة أو وقف لا يعرفها وجب السؤال. انتهى. وكأن الفرق بين هاتين الصورتين أن الدور في الثانية محصورة فلا مشقة في السؤال بخلافه في الأولى قال: ولو كان ببلد مدائين ورباطات وبعضها مخصوص بأهل مذهب معين لم يجز أن يسكن شيئا منها ولا يأكل من وقفها حتى يسأل ولو نهب متاع فصادف من نوعه شيئا يباع فإن كان مع معروف بالصلاح جاز شراؤه وتركه ورع أو مع مجهول فإن كثر مماثل المنهوب في البلد جاز الشراء منه وإن ندر فالورع تركه وفي أخذ منه نظر. انتهى. والقياس عدم الحرمة كما علم مما في المعاملة من أكثر ماله حرام قال: وإذا أردت شراء طعام أو أهدي لك أو ضيفت به لم تكلف أنك تسأل عن حله ولا تترك لأن فيه تفضيلا هو أن المالك جهل حاله ولا علامة تدل على طيب ماله من غير سؤال فإن رأى فيه علامة تدل على الفساد كهيئة الظلمة أو تساهله في فصل الحرام وجب السؤال أو دلت العلامة على أن أكثر ماله حرام وإلا كان السؤال ورعا. انتهى. والقياس عدم وجوب السؤال وإن دلت العلامة على أن أكثره حراسم وإيجاب الغزالي به مبني على طريقته أنه حرام معاملة من أكثر ماله حرام ومر أنه طريقة شاذة فإن عرف من حاله ما يحصل ظن حل ماله حرام السؤال أو ظن حرمته وجب السؤال. انتهى. والقياس أن لا وجوب نظير الذي قبله قال: ولو تعلق الشك بالمال بأن اختلط حلال بحرام في سوق فلا يلزم المشتري من أهله السؤال إلا إن غلب الحرام. انتهى. والقياس عدم الوجوب وإن غلب الحرام ثم رأيت بعضهم أشار في بعض تلك الصور إلى ما ذكرته من بناء السؤال على رؤية حرمة معاملة من أكثر ماله حرام والمذهب خلافه في الأنوار: لا يجوز مبايعة من حرم ماله كله كالخمار والمكاس والبغي ويجب السؤال ممن يعرف حال أمواله ولا تسأل عنه إذ لا ثقة بقوله والورع لمن يشتري شيئا للأكل أوغيره أن يشتري بثمن في ذمته فإنه يملكه قطعا وعند الشراء بالعين لا يقطع بذلك. وظاهر: أنه إنما يقطع بملك المبيع إذا قطع بملك بائعه له لكونه اصطاده مثلا بخلاف من ملكه بمعاوضة أو مجانا وإنما يأتي الشك في الثمن العين حيث لم يقطع بملك المشتري به لكونه أخذه من معدن مثلا وإلا فلا شك وإن أخذ من غيره مالا بتمليك بعوض أو بغيره أو بإباحة ظانا أنه ملكه اعتمادا على الظاهر وأكله وهو مغصوب في الباطن فهل يطالب بما أكله في الآخرة أفتى البغوي بأن المأخوذ منه إن كان ظاهره الخير فأرجو أن لا يطالب أو ممن يلطخ ماله بالحرام طولب به. انتهى. ولهذه المسائل كبير تعلق بالنسبة للمال المتصدق منه وقبول المتصدق عليه قلنا: ذكرتها هنا وإن كان الفقهاء ذكروها في باب البيع. الأربعون فيمن كان يفرق فلوسا في الجامع فيعطي الفقراء ويتجنب الأغنياء ندفع منها إلى رجل اشتبه حاله عليه وهو غني في الباطن بأنه يحل له ظاهرا ولا يجب عليه رده إلى الدافع لأنه قد يعطي الغني أو أهل المسجد مطلقا وأما في الباطن فإن غلب على ظنه أن الدافع أراد الفقراء فليرده إليه ولا يصرفه إلى فقير إلا إذا تعذر الرد وإن شك فالورع أن يفعل ذلك أيضا. تنبيه: مر في كثير من الأحاديث إطلاق الصدقة على غير إعطاء كالتسبيح والتحميد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والعدل بين اثنين وإعانة الرجل على دابته أو متاعهن وما أكل من زرعه أوغرسه وإماطة الأذى عن الطريق والخطو إلى الصلاة والكلمة الطيبة وغير ذلك مما مر في تلك الأحاديث ومن حديث: (كل معروف صدقة) وهذا شامل لما ذكر غيره. خاتمة: أخرج أحمد وأبو داود عن أبي سعيد رضي الله تعالى عنه: عن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال: (أبشروا يا معشر صعاليك المهاجربين بالنور التام يوم القيامة تدخلون الجنة قبل أغنياء الناس بنصف يوم وذلك خمسمائة سنة). والخطيب عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال: (أبشروا يا أصحاب الصفة فمن بقي من أمتي على النعت الذي أنتم عليه راضيا بماهو فيه فإنه من رفقائي يوم القيامة). وابن عباسكر أنه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال: (إن أطولكم حزنا في الدنيا أطولكم فرحا في الآخرة وإن أكثركم شبعا في الدنيان أكثركم جوعا في الآخرة). وابن ماجة عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال: (يا معشر الفقراء ألا أبشركم إن فقراء المؤمنين يدخلون الجنة قبل أغنيائهم بنصف يوم خمسمائة عام). وفي رواية لأحمد والترمذي عن جابر رضي اله تعالى عنه: (بأربعين خريفا). وابو نعيم في الحلية عن الحسن بن علي رضي الله عنهما: أنه صلى الله تعالى عليه وسلم قال: (اتخذوا عند الفقراء أيادي فإن لهم دولة يوم القيامة). والحاكم عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه: أنه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال: (أحبوا الفقراء وجالسوهم وأحب العرب من قلبك وليردك عن الناس ما تعلم من نفسك). وأحمد ومسلم والترمذي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وأحمد والترمذي عن عمران بن حصين رضي الله تعالى عنه: أنه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال: (اطلعت في الجنة فرأيت أكثر أهلها النساء). والديلمي عن أنس رضي الله تعالى عنه: أنه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال: (خير الناس مؤمن فقير يعطي جهده). وابن لال عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما: أنه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال: (لكل شيء مفتاح ومفتاح الجنة حب المساكين والفقراء). وأبو نعيم في الحلية عن أبي سعيد رضي الله تعالى عنه: (أنه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال: (ليبشر فقراء المؤمنين بالفوز يوم القيامة قبل الأغنياء بمقدار خمسمائة عام هؤلاء في الجنة يتنعمون وهؤلاء يحاسبونؤز والطبراني في الأوسط وأبو نعيم في الحلية عن أنس رضي الله تعالى عنه: أنه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال: (ما الذي يعطي من سعة بأعظم أجرا من الذي يقبل إذا كان محتاجا). وفي رواية للطبراني عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهم: (ما المعطي من سعة بأفضل من الآخذ إذا كان محتاجا). وعبد بن حميد وابن ماجة عن أبي سعيد والطبراني والضياء عن عبادة ابن الصامت رضي الله تعالى عنه: أنه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال: (اللهم أحيني مسكينا وأمتني مسكينا واحشرني في زمرة المساكين). زاد الحاكم: (وإن أشقى الأشقيا من اجتمع عليه فقر الدنيا وعذاب الآخرة). والطبراني عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: أنه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال: (الفقر أزين على المؤمن من العذار الحسن على خد الفرس). وابن عساكر عن عمر رضي اله تعالى عنه: أنه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال: (الفقر أمانة فمن كتمه كان عبادة ومن باح به فقد قلد إخوانه المسلمين). والبيهقي وغيره عن قتادة بن النعمان رضي الله تعالى عنه: أنه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال: (إذا أحب الله عبدا حماه في الدنيا كما يحمي أحدكم سقيمه الماء). وأحمد والترمذي: عن عبد الله بن مغفل رضي الله تعالى عنه: أنه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال: (إن كنت تحبني فأعد للفقر تجفافا فإن الفقر أسرع إلى من يحبني من السيل إلى منتهاه). أبو نعيم في الحلية وابن عساكر عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه: أنه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال: (إن من الذنوب ذنوبا لا يكفرها الصلاة ولا الصيام ولا الحج والعمرة ويكفرها والديلمي عن معاذ رضي الله تعالى عنه: أنه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال: (تحفة المؤمن في الدنيا الفقر). والترمذي عن فضالة بن عبيد رضي الله تعالى عنه: أنه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال: (لو تعلمون ما لكم عند الله لأحببتم أن تزدادوا حاجة وفاقة). وابن عساكر وابن عدي والبيهقي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: أنه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال: إن أهل البيت إذا تواصلوا أجرى الله تعالى عليهم الرزق وكانوا في كنف الله تعالى). والحكيم الترمذي عن عمر رضي الله تعالى عنه: أنه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال: (ما صبر أهل بيت على جهد ثلاثا إلا أتاهم الله برزق). وأحمد وأبو داود والحاكم عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه: أنه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال: (من أصابته فاقة فأنزلها بالناس لم تسد فاقته ومن أنزلها بالله أوشك الله له بالغنى إما بموت آجل أو غنى عاجل). والطبراني وابن عدي عن أبي الدرداء رضي الله تعالى عنه: أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال: (إن الرزق ليطلب العبد أكثر مما يطلبه أجله). والطبراني في الأوسط عن أبي سعيد رضي الله تعالى عنه: أنه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال: (إن الرزق لا تنقصه المعصية ولا تزيده الحسنة وترك الدعاء معصية). وأحمد وابن أبي شيبة وابن حبان والحاكم عن ثوبان رضي الله تعالى عنه: أنه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال: إن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبسه ولا يرد القدر إلا الدعاء ولا يزيد في العمر إلا البر). وبينهما تناف في نقص المعصية للرزق وحديث الشيخين أولى بالتقديم أو يحمل على كل نوع من الرزق. وأبو نعيم في الحلية عن عثمان رضي الله تعالى عنه: أنه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال: (إن الصبحة أي النوم بعد الصبح) تمنع بعض الرزق). البخاري ومسلم والنسائي: عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه: أنه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال: (نعوذ بالله من جهد البلاء ودرك الشقاء وسوء القضاء وشماتة الأعداء). وفي رواية: (جهد البلاء: أن تحتاجوا إلى ما في أيد الناس فتمنعوا). أعاذنا الله من ذلك وغيره من جميع ما استعاذ منه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ونجانا من كل فتنى ومحنة إلى أن نلقاه وهو راض عنا. بمنه وكرمه إنه لى ما يشاء قدير وبالإجابة جدير. والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله والحمد لله حمدا يوافي نعمه ويكافي مزيده يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لوجهك وعظيم سلطانك سبحانك لا نحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك وصل اللهم وبارك على عبدك ونبيك ورسولك النبي الأمي وعلى آله وأصحابه وذرياته كما صليت وباركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد وكما يليق بعظيم شرفه وكماله ورضاك عنه وما تحب وترضى له عدد معلوماتك أبدا وحسبنا الله ونعم الوكيل ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم دعواهم فيها سبحانك اللهم وتحيتهم فيها سلام وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين.
|